Lumen Fidei نور اإليمان

Transkript

1 رسالة عامة Lumen Fidei نور اإليمان لمحبر األعظ البابا فرنسيس إلى األساقفة والكينة والشمامسة واألشخاص المكرسيف وجميع المؤمنيف العممانييف ح وؿ اإليماف

2 1. نور اإليماف: أشار تقميد الكنيسة بيذا التعبير إلى العطية الكبرى التي جاء بيا يسوع والذي في إنجيؿ يوحنا قد قد نفسو ىكذا: "ج ئت أ نا إ لى العال نور ا 12 فك ؿ م ف آم ف بي ال ي ب ق ى في الظ بل" )يو 46(. ويعبر القديس بولس "فإ ف الم و ال ذي قاؿ: ال ذي أ شر ؽ في ق موب نا" )2 أيض ا بيذه الكممات:»ل ي شر ؽ م ف الظ مم ة ن ور«6(. كو 4 ىو في العال الوثني الجائع لمنور قد تطو رت عبادة إلو الشمس سوؿ إنفكتوس Invictus( )Sol والذي كانوا يبتيموف لو عند شروقو. واف كانت الشمس تخرج مف خدرىا كؿ يو فقد ف ي جيدا أنيا ل تكف قادرة عمى أف تنشر نورىا عمى كؿ وجود اإلنساف. فالشمس في الحقيقة ال تضيء كؿ الواقع فشعاعيا غير قادر عمى الوصوؿ إلى ظبلؿ الموت حيث ت غمؽ العيف البشري أما نورىا. "ل ي رى قط أحد مستعدا لمموت أكد القديس يوستينوس الشييد مف أجؿ 2

3 1 اإليماف بالشمس". لقد دعا المسيحيوف المسيح مدركيف لؤلفؽ العظي الذي فتحو أمامي اإليماف 2 الشمس الحقيقي "والذي تمنح أشعتو الحياة". يقوؿ يسوع إلى مرتا والتي كانت تبكي أخاىا لعازر: "أ ل أ ق ؿ ل ؾ إ ن ؾ إ ف آم نت ت ريف م جد اهلل " )يو.)40 11 فمف يؤمف يرى يرى بنور يضيء كؿ مسيرة الطريؽ ألنو يأتي إلينا مف المسيح القائ مف بيف األموات نج الفجر الذي ال يعرؼ الغروب. نور وهمي 2. لكف في التكم عف نور اإليماف ىذا يمكننا أف نسمع اعت ارضات الكثيريف مف معاصرينا. في ظف في العصر الحديث أف ذاؾ النور قد كاف كافيا لممجتمعات القديمة ولكنو قد ال يفيد لؤلوقات الحديثة ولئلنساف الذي قد أضحى ناضجا ا فخور 1 حوار مع تريفوف 121 2: مجموعة آباء الكنيسة اليونانية )آ ؾ ي( اكميمنضس اإلسكندري إرشادات لميونانييف )Protrepticus( عشر: مجموعة آباء الكنيسة اليونانية )آ ؾ ي( الجزء الحادي 3

4 بفكره و ارغبا في سبر أغوار المستقبؿ بطريقة جديدة. بيذا المعنى يظير اإليماف وكأنو نور وىمي يمنع اإلنساف مف استثمار جسارة المعرفة. كاف الشاب نيتشو )Nietzsche( يدعو األخت إلي ازبيث )Elisabeth( لممغامرة بالسير فوؽ "دروب جديدة... حتى في ريب السير لؤلما باستقبللية". مضيفا: "عند ىذه النقطة تنفصؿ الدروب البشرية: فإف شئت الوصوؿ إلى سبل النفس والسعادة فمتحتفظي حتى باإليماف ولكف إف أردت أف تكوني 3 تمميذة لمحقيقة فعندئذ ح ق قي". وكأف اإليماف يتناقض مع التحقيؽ. ىذا انتقاده لممسيحية البشري وقد طو ر نيتشو إنطبلقا مف لكونيا حج مت نطاؽ الوجود وألنيا حرمت الحياة مف الحداثة والمغامرة. وبيذا يضحى اإليماف وكأنو توى مف النور يمنع مسيرتنا كبشر أح ارر مف التقد نحو المستقبؿ. 3 رسالة نيتشو إللي ازبيت ميونيخ يونيو/حزي ارف 1965( في: ثبلثة مجمدات 11( 4

5 3. في ىذه العممية يضحى اإليماف مقترنا بالظبل. وقد ف ك ر في إمكانية اإليماف وايجاد إبقاء مساحة لو حتى يتعايش مع العقؿ. وبدت مساحة اإليماف ىي تمؾ التي ال يستطع العقؿ أف ينيرىا وحيث اإلنساف ال يستطيع الوصوؿ إلى اليقيف. ومف ث قد ف ي اإليماف عمى أنو القفز لممجيوؿ الذي نقو بو عند غياب النور مدفوعيف مف عاطفة عمياء أو كأنو نور ذاتي بإمكانو ربما تدفئة القمب وجمب تعزية خاصة ولكف ال يمكنو تقدي نفسو لآلخريف كأنو النور الموضوعي والقادر عمى إضاءة الطريؽ. لكف رويدا رويدا قد ل وحظ أف نور العقؿ المستقؿ ال يستطيع إضاءة المستقبؿ بما يكفي وفي النياية يبقى في عتمتو تاركا اإلنساف فريسة لمخوؼ مف المجيوؿ. وىكذا تخمى اإلنساف عف البحث عف نور عظي عف حقيقة كبرى لي رضي نفسو بأنوار صغيرة تضيء الثواني الصغيرة ولكنيا غير قادرة عمى فتح الطريؽ. فعندما يغيب النور يبيت كؿ 5

6 شيء مشوش ا ويصبح مف المستحيؿ التمييز بيف الخير والشر بيف الطريؽ الذي يقودنا نحو اليدؼ والطريؽ الذي يجعمنا ندور في حمقات مفرغة ببل إتجاه. نور لالكتشاف 4. مف الضروري إذا استعادة خاصية نور اإليماف ألنو عندما تنطفئ شعمتو تفقد معيا كؿ األنوار األخرى حيويتيا. فنور اإليماف يمتمؾ في الحقيقة خاصية فريدة لكونو قادر عمى إضاءة كؿ النور إف اإلنساف. أف يكوف منحد ار مف أنفس نا وجود كي يكوف ىكذا قاد ار ال يمكف لو بؿ يجب أف يأتي مف مصدر أكثر أصالة يجب أف يأتي بالنياية مف اهلل. فاإليماف يولد مف أحشاء المقاء مع اهلل الحي والذي يدعونا ويكشؼ لنا محبة يسوع محبة تسبقنا أف نستند ويمكننا فوقيا لنكوف ارسخيف في تشييد الحياة. عندما يحو لنا ىذا الحب فإننا نحصؿ عمى أعيف جديدة ونختبر فيو وجود وعد كبير لبلكتماؿ 6

7 وتنفتح أمامنا شاكمة المستقبؿ. إف اإليماف الذي نحصؿ عميو مف اهلل كعطية فائقة لمطبيعة يظير كنور لمطريؽ الذي يوج و مسيرتنا في الزمف. فمف ناحية اإليماف ينبثؽ مف الماضي فيو نور ذاكرة تأسيسية تمؾ الخاصة بحياة يسوع حيث أظير محبتو التامة والموثوؽ بيا والقادرة عمى ىزيمة الموت. بيد أف في ذات الوقت ولكوف المسيح القائ مف بيف األموات يجذبنا لما يتخطى الموت فاإليماف ىو نور يأتي مف المستقبؿ ويفتح أمامنا اآلفاؽ الشاسعة ويحممنا لما يتخطى حدود "األنا" المنعزؿ نحو رحابة الش ر كة. ومف ث ندرؾ أف اإليماف ال يقطف الظبل بؿ أنو ىو نور لظمماتنا. دانتي في الكوميديا اإلليية بعد أف اعترؼ بإيمانو أما القديس بطرس قد وصؼ اإليماف وكأنو "ش اررة / تتسع فتتحوؿ لشعمة حية/ كنج في أعالي 4 السماء في باطني يتؤلأل". في الحقيقة عف ىذا 4 قصيدة الفردوس XXIV

8 النور نور اإليماف أود التحد ث حتى ينمو وي ضيء الحاضر وكي يتحوؿ إلى نج يكشؼ آفاؽ مسيرتنا في وقت يحتاج فيو اإلنساف بشكؿ خاص إلى نور. 5. لقد أك د الرب لبطرس قبؿ آالمو: "لك ن ي د ع و ت ل ؾ أ ال ت فق د إ يمان ؾ " )لو 22 32(. ث طمب منو أف "ي ثب ت اإلخوة" في ذاؾ اإليماف ذاتو. مدركا لمواجب الذي ائتمف عميو الرب خميفة بطرس أ ارد بيندكت س السادس عشر الدعوة لسنة اإليماف ىذه وقت النعمة الذي يساعدنا عمى الشعور بفرحة اإليماف العظيمة وعمى إنعاش مفيو رحابة اآلفاؽ الذي يفتحيا اإليماف أمامنا كي نعترؼ بو في وحدتو وشموليتو أمناء لذكرى الرب ويؤازرنا حضور الروح القدس وعممو. إنيا القناعة بإيماف يجعؿ الحياة عظيمة وممتمئة تتمركز حوؿ المسيح وحوؿ قوة نعمتو كتمؾ التي كانت تحرؾ رسالة المسيحييف األوائؿ. نق أر في كتاب "أعماؿ الشيداء" ىذا الحوار 8

9 الحاك بيف الروماني روستيؾ )Rustico( والمسيحي جي ارتش :)Gerace( "أيف والديؾ " سأؿ القاضي الشييد فجاوبو: "أبانا الحقيقي ىو المسيح وأم نا 5 ىي اإليماف بو". فاإليماف بمقدار كونو لقاء مع اهلل الحي والذي ظير في المسيح كاف بالنسبة ليؤالء المسيحييف "أم ا" ألنو كاف يمدى لمنور خالقا فيي الحياة اإلليية خبرة جديدة رؤية منيرة لموجود وليذا في كانوا مستعديف لمشيادة العبلنية عنو حتى النياية. 6. لقد بدأت سنة اإليماف في الذكرى الخمسيف عمى افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني. إف ىذا الت ازمف يسمح لنا بأف نرى أف الفاتيكاني الثاني كاف مجمعا 6 عف اإليماف بمقدار دعوتو لنا بأف نضع في مركز 6 5 أعماؿ القديسيف Sanctorum( )Acta يونيو/ حزير اف الجزء األوؿ 21. "إف كاف المجمع ل يدرس ص ارحة اإليماف فإنو يتكم عنو في كؿ صفحة ويقر بطابعو الحيوي والفائؽ لمطبيعة ويعتبره متكامبل وقويا ويبني فوقو عقائده. يكفي تذك ر التأكيدات المجمعية ]...[ إلد ارؾ األىمية الجوىرية التي أعطيا المجمع متوافقا مع التقميد العقائدي لمكنيسة لئليماف الحقيقي والذي 9

10 حياتنا الكنسية والشخصية أولوية اهلل في المسيح. إف الكنيسة في الحقيقة ال تفترض أبدا أف اإليماف ىو أمر م سم بو ولكنيا تعرؼ أنو التي عطية اهلل يجب أف تتغذى وتتقوى كي تستمر في قيادة مسيرة الكنيسة. لقد ساعد المجمع الفاتيكاني الثاني عمى تؤلأل اإليماف داخؿ الخبرة البشرية سالكا ىكذا دروب اإلنساف المعاصر. وبيذه الطريقة قد أظي ر كيؼ أف اإليماف يثري الوجود اإلنساني في كؿ أبعاده. 7. تعتز ىذه الموضوعات حوؿ اإليماف في استم اررية مع كؿ ما نطقت بو السمطة الكنسية حوؿ 7 الفضائؿ البلىوتية - أف تنض لما كتبو بيندكتس 7 مصدره ىو المسيح وقناتو ىي تعمي الكنيسة" )بولس السادس المقابمة العامة 8 مارس/آذار 1967 تعالي جزء خامس 705( ار. عمى سبيؿ المثاؿ: المجمع الفاتيكاني األوؿ الدستور العقائدي في اإليماف الكاثوليكي "ابف اهلل" Filius( )Dei الفصؿ الثالث )د( دنتسنغر شونمتسر والمجمع الفاتيكاني الثاني دستور عقائدي في الوحي اإلليي "كممة اهلل" Verbum( )Dei 5 التعمي المسيحي لمكنيسة الكاثوليكية

11 السادس عشر في الرسالتيف العامتيف حوؿ المحبة وحوؿ الرجاء. وقد كاف قد أوشؾ عمى إنياء المسودة األولى لمرسالة العامة حوؿ اإليماف. وأنا شاكر لو بعمؽ وفي إخوة المسيح أتولى عممو الثميف ىذا مضيفا لمنص بعض المساىمات اإلضافية. فخميفة القديس بطرس باإلمس واليو وغدا ىو دائما مدعو "لتثبيت اإلخوة" في كنز اإليماف الذي ال حد لو والذي أعطاه اهلل كنور لدرب كؿ إنساف. نقر في اإليماف - والذي ىو عطية مف اهلل وفضيمة فائقة لمطبيعة تنسكب منو- بأف محبة عظيمة قد ق د مت لنا وبأف "كممة" صالحة قد وجيت لنا وأنو بقبوؿ تمؾ الكممة والتي ىي يسوع المسيح الكممة المتجسد فإف الروح القدس يبد لنا وينير مسيرتنا لممستقبؿ وينمي فينا أجنحة الرجاء كي نسيرىا بفرحة. يمثؿ اإليماف والرجاء والمحبة متحديف في ضفيرة بديعة دينامية الوجود المسيحي 11

12 نحو الشركة الكاممة مع اهلل. ما ىو ىذا الطريؽ الذي يفتحو اإليماف أمامنا مف أيف يأتي نوره القدير والذي يسمح بإضاءة مسيرة حياة ناجحة وخصبة وممتمئة بالثمار 12

13 الفصل األول لقد آمن ا بالمحبة ( ار. 1 يو )16 4 إب ارهيم أبونا في اإليمان 8. إف اإليماف يفتح لنا الدرب ويصطحب خطواتنا في التاريخ. ليذا السبب إف أردنا في ماىية اإليماف وجب عمينا سر د مسيرة اإليماف وسيرة األناس المؤمنيف المذكورة قبؿ كؿ شيء في العيد القدي. يمتمؾ إب ارىي أبونا في اإليماف مكانة فريدة. فقد حدث في حياتو أمر مربؾ: ت وج و لو اهلل بالكممة وكشؼ لو عف ذاتو كإلو يتكم ويدعوه باسمو. إف اإليماف مرتبط بالسماع. إب ارىي ل يرى اهلل ولكنو سمع صوتو. وبيذه الطريقة يحظى اإليماف بسمة شخصية. ويظير اهلل ىكذا ليس إليا لمكاف ما وال حتى اإللو المرتبط بييكؿ مقدس معيف ولكنو إلو شخص بعينو وبالتحديد إلو إب ارىي واسحؽ ويعقوب قادر عمى الدخوؿ في 13

14 5 تواصؿ مع اإلنساف وعمى إقامة عيد معو. إف اإليماف ىو الجواب عمى كممة تستجوبنا شخصيا إنو جواب عمى "أنت" يدعونا باسمنا. يتمث ؿ 9. ما تقولو ىذه الكممة إلبر اىي في دعوة وفي وعد. إنو قبؿ كؿ شيء دعوة لمخروج مف أرضو دعوة لبلنفتاح عمى حياة جديدة بداية خروج يحممو نحو مستقبؿ غير متوقع. فالرؤية التي يعطييا اإليماف إلب ارىي ستكوف دائما مرتبطة بتمؾ الخطوة لؤلما التي يجب إنجازىا: اإليماف "يرى" بنفس المقدار الذي بو المساحة التي فتحتيا كممة اهلل. أيض ا عظي ( يسير وبو يدخؿ في ىذه الكممة تشتمؿ عمى وعد: سأكثر نسمؾ وستكوف أبا لشعب ار. تؾ (. فصحيح أف إيماف إب ارىي لكونو جواب عمى كممة تسبقو سيكوف دائما فعؿ ذاكرة. بيد أف تمؾ الذاكرة ال تقو عمى الماضي ولكف لكونيا ذاكرة وعد قادرة فيي عمى سبر أغوار المستقبؿ وانارة الخطوات طيمة 14

15 الطريؽ. نرى ىكذا كيؼ أف اإليماف لكونو ذاكرة لممستقبؿ futuri( )memoria فيو مرتبط بشكؿ وثيؽ بالرجاء. 10. إف ما ي طمب مف إب ارىي ىو أف يثؽ في تمؾ الكممة. فاإليماف يدرؾ أف الكممة يبدو ظاىري ا سريع الزواؿ والتبلش- والتي ىي واقع مف ف اهلل األميف تتحو ؿ لما ىو أكثر أمان ا رسوخ ا عندما تخرج وأكثر في الوجود ل ما يجعؿ استم اررية مسيرتنا في التاريخ ممكنة. فاإليماف يستقبؿ ىذه "الكممة" كصخرة ثابتة يستطيع عمييا أف ي شي د كفوؽ أساسات ر اسخة. مف أجؿ ىذا في الكتاب المقدس ي شار إلى اإليماف بالكممة العبرية ا مونا ) emûnah( والتي تنحدر مف الفعؿ آمف ) amàn( والذي يعني في أصمو "العوف". فالكممة ا مونا ) emûnah( قد تعني سواء أمانة اهلل و أيض ا إيماف اإلنساف. فاإلنساف األميف يحصؿ عمى قوتو مف تسمي ذاتو بيف يدي اهلل األميف. سيشيد القديس كيرلس األورشميمي عف 15

16 طريؽ المعب بمعنيي الكممة ىذيف أيض ا والحاضريف في المغة اليونانية )pistòs( والمغة االتينية -)fidelis( بك ارمة المسيحي الذي يقبؿ ذات اس 8 اهلل: فكبلىما يدعى "أمين ا". ىكذا سيشرحو القديس أغسطينوس: "اإلنساف األميف ىو مف يؤمف باهلل الذي يع د واإللو األميف ىو مف ييب االنساف ما قد 9 وعده بو". 11. م ظ ي ر أخير مي لقصة إب ارىي لفي إيمانو. كممة اهلل واف كانت تحمؿ معيا جديدا ومفاجأة فيي ال تبدو غريبة البتة عف خبرة البطريرؾ. فقد عرؼ إب ارىي في الصوت الذي توجو لو ندا ء ا عميقا كاف محفو ار دائما في قمب وجوده. إف اهلل يربط بيف وعده وبيف ذاؾ "المكاف" حيث وجود اإلنساف يبدو دائما واعد ا: األبوة إنجاب حياة 8 التعمي المسيحي V 1: مجموعة آباء الكنيسة اليونانية )آ ؾ ي( 505 أ المزمور 23 الجزء الثاني :9 I مجموعة آباء الكنيسة البلتينية )آ ؾ ؿ( 16

17 ؾت) جديدة- "سارة ا مر أ ت ؾ س ت م د ل ؾ ابن ا وس م و إ سحؽ" 19(. فذاؾ اإللو الذي يطمب مف إب ارىي أف 17 يثؽ فيو كمي ا يكشؼ عف نفسو كنبع منو كؿ تتدفؽ حياة. وبيذه الطريقة يرتبط اإليماف بأبوة اهلل والتي منيا تنبعث الخميقة: فاإللو الذي يدعو إب ارىي ىو اإللو الخالؽ م ف "ي دعو إ لى الو جود غ ير الم وجود" )رو 4 17( م ف "اختار نا فيو ق بؿ إ نشاء العال... وق د ر ل نا م نذ الق د أ ف ي ت بن انا ب ي سوع المسيح عمى ما.)5-4 ارت ض تو م شيئ ت و" )أؼ 1 يضيء اإليماف باهلل بالنسبة إلب ارىي أعماؽ وجوده ويسمح لو بأف يتعر ؼ عمى نبع الصبلح أصؿ كؿ األشياء واليقيف بأف حياتو ليست حصيمة صدفة أو وليدة الفوضى بؿ ىي ثمرة دعوة ومحبة شخصية. فاإللو السري الذي دعاه ليس إلي ا غري با بؿ م ف ىو أصؿ كؿ شيء وىو الذي يعضد الكؿ. ستظير تجربة اإليماف العظمى بالنسبة إلب ارىي ذبيحة االبف إسحؽ إلى أي مدى ىذا الحب األصمي ىو قادر 17

18 عمى ضماف الحياة حتى فيما يتجاوز الموت. الكممة التي كانت قادرة عمى إقامة ابنا في "جسده المائت" وفي "األحشاء المائتة" لسارة العاقر ( ستكوف قادرة أيض ا يتجاوز أي تيديد أو خطر ( 19( ار. رو 4 عمى ضماف الوعد بمستقبؿ 19 4 رو 11 ار. عب.)21 إيمان إس ارئيل.12 في سفر الخروج عمى درب إيماف إب ارىي. تستمر قصة شعب إس ارئيؿ اإليماف مف جديد فيولد مف عطية أصمية: يفيؽ إس ارئيؿ عمى عمؿ اهلل الذي يريد أف يحر ره مف معاناتو. اإليماف مدعو لقطع مسيرة طويمة حتى يتمكف مف عبادة الرب عمى جبؿ سيناء ويرث أرض الموعد. فالمحبة اإلليية ليا سمات األب الذي يحمؿ و ل د ه في كؿ الط ريؽ ( 1 تث ار. 31(. إف اعت ارؼ إيماف إس ارئيؿ يتطور مثؿ سرد لعطايا اهلل ولتدخمو ليحر ر ويقود الشعب ( ار. تث 11( سرد ينقمو الشعب مف جيؿ إلى

19 جيؿ. فنور اهلل قد أشرؽ إلس ارئيؿ عبر تذك ر األحداث التي صنعيا الرب والمسرودة والمعترؼ بيا في العبادة والمنقولة مف اآلباء لؤلبناء. لنتعم ىكذا أف النور الذي يحممو اإليماف مرتبط بالسرد الواقعي لمحياة وبالتذك ر الممتف لعجائب اهلل ولتحقيقو التدريجي لوعوده. لقد عبر عف ىذا جيدا فف العمارة القوطي: ففي الكاتد ارئيات الكبرى يصؿ النور مف السماء عبر النوافذ المزخرفة بالتاريخ المقدس. فنور اهلل يأتينا عبر السرد لوحي و فيكوف ىكذا قادر ا عمى إنارة دربنا في الزمف بالتذكير بالعطايا اإلليية وبإظيار كيؼ أف وعوده تتحقؽ. 13. ي ظير لنا تاريخ إس ارئيؿ أيض ا تجربة النك ارف التي سقط فييا الشعب م ارر ا. فنقيض اإليماف يتماثؿ ىنا بعبادة األصنا. فبينما كاف موسى يتكم مع اهلل عمى جبؿ سيناء ل ي ط ؽ الشعب أف يتحم ؿ سر الوجو اإلليي المحجوب ول ي ط ؽ وقت االنتظار. يتطم ب اإليماف مف ذات طبيعتو التنازؿ عف 19

20 االمتبلؾ المباشر لما قد يبدو أف النظر يقد مو إنو دعوة لبلنفتاح عمى مصدر النور عبر احت ار السر الخاص بالوجو والذي يرغب الكشؼ عف نفسو بطريقة شخصية وفي الوقت المناسب. كاف مرتف بوبر Buber( )Martin يستشيد بتعريؼ عبادة األوثاف ىذا المقد مف حاخا كوؾ :)Kock( تكوف ىناؾ عبادة أوثاف "وقتما ي كشؼ وجو وقور لوجو 10 ليس بوجيو". فبدال مف اإليماف باهلل ي فضؿ التعبد لوثف والذي يمكف النظر إلى وجيو ومعروفة أصمو ألنو مف ص نع نا. فأما الصن ال توجد خطورة إمكانية سماع دعوة دعوة تخرجنا مما يعطينا األماف ألف األصنا "ليا أفواه وال تتكم" )مز 115 5(. نفي مف ىذا أف الصن ىو ذريعة لوضع الذات كمحور لمواقع في التعبد لما صنعتو أيادينا. فاإلنساف الذي أضاع التوجو األساسي والذي يعطي الوحدة لوجوده يتوه بيف تعددية رغباتو 10 مارتف بوبر حكايات اليازيدية زيوريخ

21 فاالنساف برفض انتظار وقت تحقيؽ الوعد يتشتت بيف لحظات تاريخو الكثيرة. ليذا السبب فإف عبادة األصنا ىي دائما تعدد آلية حركة ببل ىدؼ مف سيد لسيد أخر. إف عبادة األصنا ال تقد طريقا بؿ مسا ارت متعددة ال تقود إلى غاية أكيدة وتشبو باألكثر المتاىة. فمف ال يريد أف يثؽ باهلل يجد نفسو مجب ار لسماع أصوات األصنا العديدة والتي تصيحو: "ث ؽ في!". أما اإليماف بمقدار ارتباطو بالتوبة فيو نقيض عبادة األصنا إنو انفصاؿ عف األصنا لمرجوع إلى اهلل الحي عبر لقاء شخصي. فاإليماف يعني الوثوؽ في محبة رحومة دائما تقبؿ وتغفر وتعضد وتوجو الوجود محبة ت ظير اقتدارىا في قدرتيا عمى تصويب الب نى الخاصة بتاريخنا. إف اإليماف يتكو ف مف االستعداد لترؾ الذات كي ت غي رىا دعوة اهلل دائما ومجددا. وىنا تكم ف المفارقة: أي إف اإلنساف في التوج و المستمر نحو الرب يجد 21

22 الطريؽ الثابت الذي ي حر ر ه مف التنقؿ المتشتت الذي ت خض عو لو عبادة األوثاف. 14. ي ط ؿ في إيماف إس ارئيؿ أيض ا شخصية موسى الوسيط. فالشعب ال يستطيع أف يرى وجو اهلل فكاف موسى ىو مف يتكم مع ييوه عمى الجبؿ ويبم غ لمجميع إ اردة الرب. تعم إس ارئيؿ عبر حضور الوسيط ىذا أف يسير متحدا. إف فعؿ االيماف الفردي يندرج في جماعة في "النحف" الجماعي لمشعب الذي في اإليماف ىو كرجؿ واحد "ابني البكر" كما دعا اهلل كؿ إس ارئيؿ ( الوساطة ىنا 22(. ار. خر إف 4 ال تتحو ؿ إلى عائؽ بؿ إلى انفتاح: ففي المقاء مع اآلخريف تنفتح الرؤية نحو حقيقة أكبر مف أنفسنا. فقد اشتكى ج. ج. روسو ( )Jacques Rousseau مف عد قدرتو عمى Jean رؤية اهلل 11 شخصيا: "ك مف األشخاص بيني وبيف اهلل!" أ" ىكذا بسيطا وطبيعيا أف يكوف اهلل قد ذىب لموسى 11 إميؿ باريس

23 12 حتى يكم مو عف جاف جاؾ روسو ". فباإلنطبلؽ مف مفيو فردي ومحدود لممعرفة يصبح صعبا في معنى الوساطة أي تمؾ المقدرة عمى المشاركة في الكشؼ الخاصة باآلخر المعرفة المشتركة والتي ىي معرفة الحب بالذات. مف اهلل تتطمب التواضع والشجاعة اإليماف ىو عطية مجانية والثقة والوثوؽ كي نرى المسيرة المنيرة لمقاء بيف اهلل والبشر أي قصة الخبلص. كمال اإليمان المسيحي 15. "إ ب ارىي ]...[ إ بت يج ارج ي ا أ ف ي رى ي ومي ورآه ف ف ر ح" )يو 56(. 8 إف إيماف إب ارىي بحسب كممات يسوع ىذه كاف متوجيا نحو يسوع كاف إف جاز التعبير رؤية م سبقة لسره المسياني. ىكذا في مو القديس أغسطينوس عندما أكد أف البطاركة قد حصموا عمى الخبلص باإليماف ال باإليماف بالمسيح الذي قد أتى بؿ باإليماف بالمسيح الذي 12 رسالة إلى كريستوؼ دي بوموف لو ازف

24 سيأتي إيماف يطوؽ إلى الحدث المستقبمي 13 ليسوع. إف اإليماف المسيحي يتمحو ر حوؿ المسيح إنو االعت ارؼ بأف يسوع ىو الرب وبأف اهلل أقامو مف بيف األموات ( ار. رو 9(. فجميع 10 خطوط العيد القدي تمتقي في المسيح إنو يمثؿ "النع" النيائي لكؿ الوعود أساس "األميف" األخير الذي سنقولو هلل ( 20(. كو 2 ار. 1 فقصة يسوع ىي الظيور الكامؿ لصدؽ اهلل. إف كاف إس ارئيؿ يتذك ر أعماؿ محبة اهلل العظيمة والتي ت شك ؿ محور اعت ارفو وتفتح أفؽ إيمانو فحياة يسوع قد ظيرت اآلف لو كمكاف التدخؿ النيائي هلل الظيور األعظ لمحبتو مف أجمنا. فما يقولو لنا اهلل في يسوع ليس كممة إضافية بيف كممات أخرى كثيرة ولكنو "كممتو األبدية" ( 1- ار. عب 1 2(. ال وجود لضماف أعظ يمكف هلل أف يعطيو لنا حتى يؤك د لنا محبتو كما 13 ار. في إنجيؿ يوحنا 9: 45 مجموعة آباء الكنيسة البلتينية )آ ؾ ؿ(

25 يذك رنا القديس بولس ( ار. رو (. لذا فاإليماف المسيحي ىو اإليماف بالمحبة الكاممة وفي قدرتيا الفع الة وفي مقدرتيا عمى تغيير العال واضاءة الزماف. "ون حف ع ر ف نا المحب ة ال تي ي ظي ر ىا اهلل ب ين نا وآمن ا ب يا" )1 يو 4 16(. فاإليماف يستقبؿ مف خبلؿ محبة المحبة المتجمية في المسيح األساس الذي فوقو يستند الواقع وغايتو األخيرة. 16. نجد الدليؿ األكبر عمى صدؽ محبة المسيح في موتو مف أجؿ اإلنساف. فإف كاف بذؿ الحياة مف أجؿ األصدقاء ىو الدليؿ األقوى لممحبة ( )13 ار. يو 15 فقد قد يسوع حياتو مف أجؿ الجميع وكذلؾ مف أجؿ م ف كانوا أعداء كي يغي ر القمب. ليذا السبب وضع اإلنجيميوف ساعة الصميب كمحظة الذروة لنظرة اإليماف ألف في تمؾ المحظة تتؤلأل عظمة ورحابة المحبة اإلليية. وقد قا ىنا القديس يوحنا بوضع شيادتو العبلنية عندما سوي ا مع أ يسوع تأمؿ م ف ط ع نوه: "وال ذي أر ى ش ي د وش ياد ت و 25

26 ص حيحة وذاؾ ي عم أ ن و ي قوؿ الح ؽ ل ت ؤم نوا أ نت 19 ار. يو ( أيض ا" 35(. جعؿ ؼ.. دوستويفسكي )L Idiota( في رواية "األبمو" )F.M.Dostoevskij( البطؿ األمير ميسكيف (Myskin) عندنا أرى لوحة المسيح المائت في القبر المرسومة مف الشاب ىانس ىولبيف (Hans Holbein) "إف ىذه يقوؿ: 14 الموحة بإمكانيا أف تجعؿ أحد ا يفقد اإليماف". فالموحة في الحقيقة ترس بطريقة قاسية آثار الموت المدمرة عمى جسد المسيح. بيد أف اإليماف يتقو ى خاصة في تأمؿ موت يسوع ويستقبؿ نور ا باىر ا حيث يكشؼ الموت عف نفسو كإيماف بمحبتو ال ارسخة ألجمنا واستعداده الحتضاف الموت كي ي خ م ص نا. في ىذه المحبة التي ل تيرب مف الموت كي تظير لي ك تحبني يصبح مف الممكف أف نؤمف فشموليتو تيز أي شؾ وتسمح لنا بأف نثؽ في المسيح. كمي ا 14 الجزء الثاني اربعا. 26

27 17. واآلف يكشؼ موت يسوع عف الصدؽ الكامؿ لمحبة اهلل عمى ضوء القيامة مف بيف األموات. فإف المسيح فبمقدار أنو قا مف بيف األموات فيو شاىد أميف يستحؽ التصديؽ ( 5 2 عب 1 ار. رؤ 17( أساس ارسخ إليماننا. يؤك د القديس بولس: "إ ذا ل ي ك ف المسيح قد قا فإ يمان ك باط ؿ" )1 15 كو 17(. فمحبة اآلب إف ل تكف قد أقامت يسوع مف بيف األموات واف ل تكف قد استطاعت أف تعطي تماما قادرة حياة لجسده لما كانت محبة صدقة عمى إضاءة ظممات الموت. عندما يتكم القديس بولس عف حياتو الجديدة في المسيح فإنو يشير إلى "اإل يماف ب ابف اهلل ال ذي 2 )غؿ أ حب ني وجاد ب ن ف س و م ف أجمي" 20(. إف ىذا "اإليماف ب ابف اهلل " ىو بكؿ يقيف إيماف رسوؿ األم بيسوع ولكنو يفترض صدؽ يسوع والذي الموت ولكف أيض ا بالفعؿ ىو "االبف" ولكونو متجذر ا أيض ا ي ؤسس عمى محبتو حتى عمى كونو ابف اهلل. فؤلف يسوع تماما في اآلب فإنو 27

28 استطاع أف ييز الموت وأف يجعؿ الحياة تشرؽ كمي ا. إف ثقافتنا قد فقدت مفيو حضور اهلل الممموس ىذا وكذلؾ عممو في العال. نعتقد أف اهلل يوجد فقط في األخرويات في مستوى أخر مف الواقع منفصؿ عف عبلقتنا المحسوسة. ولكف إف كاف األمر ىكذا واف كاف اهلل غير قادر عمى التحرؾ في العال فإف محبتو لف تكوف قادرة فعبل واقعية حق ا ولف تكوف بالحصيمة محبة حقيقية قادرة عمى إتما تمؾ السعادة التي ت ع د بيا. أف نؤمف أو أال نؤمف بو سيكوف بالحصيمة سياف. إف المسيحييف عمى عكس ىذا يعترفوف بمحبة اهلل األكيدة والقادرة والتي تعمؿ حقا في التاريخ وتحدد مصيره النيائي محبة جعمت مف نفسيا ممكنة المقاء وكشفت عف نفسيا بالتما في آال وموت وقيامة المسيح مف بيف األموات. 18. إف كماؿ اإليماف الذي ي حق قو يسوع لو عنصر أخر أساسي. فالمسيح في اإليماف ليس 28

29 مجرد م ف نؤمف بو الظيور األكبر لمحبة اهلل ولكنو أيض ا ىو م ف نتحد بو كي يمكننا أف نؤمف. فاإليماف ال يتعمؽ فقط بيسوع ولكف يتعمؽ برؤية الحياة مف وجية نظر يسوع النظر بأعيف يسوع: إنو المشاركة في الطريقة التي مف خبلليا ينظر ىو. ففي مجاالت عديدة مف مجاالت الحياة نحف نثؽ في رؤية اآلخريف الذيف يعرفوف األشياء أفضؿ من ا. نثؽ في الميندس المعماري الذي يبني بيتنا في الصيدلي الذي يقد لنا األدوية لمشفاء في المحامي الذي يدافع عن ا في المحكمة. ونحتاج أيض ا إلى شخص موثوؽ بو وعارؼ باألشياء التي تتعمؽ باهلل. يسوع ابنو يقد نفسو كم ف بإمكانو أف يفس ر لنا اهلل ( ار. يو 1 18(. إف حياة المسيح - وطريقة معرفتو لآلب وعيشو التا في عبلقة معو - تفتح مسافة جديدة في الخبرة البشرية يمكننا أف نشترؾ فييا. لدى القديس يوحنا تعبير ىا حوؿ العبلقة الشخصية مع يسوع مف أجؿ إيماننا عبر 29

30 االستخدامات المتعددة لمفعؿ أؤمف. فمع "النؤمف أف" ما قالو يسوع ىو حقيقي ( ار. يو يستخد يوحنا التعبي ارت "أؤمف بػ" ) يسوع و"أؤمف في" يسوع. "نؤمف بػ" يسوع عندما نقبؿ كممتو وشيادتو ألنو صادؽ ( ار. يو عندما نقبمو شخصي ا 6 30(. "نؤمف في" يسوع في حياتنا ونثؽ فيو منضم يف لو في المحبة وسائريف خمفو عمى طوؿ الطريؽ ( يو )44 12 ار. إف ابف اهلل كي يسمح لنا بمعرفتو وبقبولو وباتباعو قد تجس د وبيذا قد أصبحت رؤيتو لآلب تت أيض ا بطريقة بشرية عبر مسيرة ومف خبلؿ السير في التاريخ. فاإليماف المسيحي ىو إيماف بتجسد الكممة وبقيامتو مف بيف األموات في الجسد إنو إيماف باهلل الذي جعؿ مف نفسو قريب ا ج دا لدرجة الدخوؿ في ت اريخنا. إف اإليماف بابف اهلل الذي تجسد في يسوع الناصري ال يفصمنا عف الواقع ولكنو يسمح لنا باحتضاف معناه العميؽ وباكتشاؼ مقدار محبة اهلل 30

31 لمعال وبتوجييو المستمر لمعال نحو ذاتو وىذا ي حم ؿ المسيحي عمى االلت از وعمى عيش المسيرة فوؽ األرض بطريقة أعمؽ. الخالص بواسطة اإليمان 19. قد ترؾ لنا الرسوؿ بولس في كتاباتو إنطبلق ا مف ىذه المشاركة في طريقة نظر يسوع تعريف ا لموجود المؤمف. م ف يؤمف في قبوؿ عطية اإليماف قد تحو ؿ إلى خميقة جديدة وقد حصؿ عمى كينونة جديدة كينونة البنوة يتحو ؿ إلى ابف في االبف. إف كممة "أبا أييا اآلب" ىي الكممة التي تصؼ أكثر خبرة يسوع والتي قد تحو لت إلى محور الخبرة المسيحية ( ار. رو 15(. 8 فالحياة في اإليماف بمقدار كونيا وجود بنوي ىي التعر ؼ عمى العطية األصمية واألساسية ألصؿ وجود اإلنساف والتي يمكف تمخيصيا في عبارة القديس بولس إلى كنيسة كورنثوس: "أ ي ش يء ل ؾ ل ت ن م و فإ ف ك نت قد ن م ت و فم ت فت خ ر كأ ن ؾ ل ت ن م و " )1 كو 4 7(. وىنا 31

32 بالحقيقة يكمف جوىر الخبلؼ بيف بولس القديس والفريسييف والجدؿ حوؿ الخبلص بواسطة اإليماف أ بواسطة أعماؿ الشريعة. فما يرفضو بولس ىو تصر ؼ م ف يريد أف يبر ر نفسو أما اهلل بواسطة أعمالو. فيذا الشخص - حتى عندما يطيع الوصايا حتى عندما يقو بأعماؿ صالحة فيو - يضع نفسو في المركز وال يعترؼ بأف أصؿ الصبلح ىو اهلل. م ف يتصر ؼ ىكذا م ف يريد أف يكوف مصدر صبلحو الشخصي فيو سرعاف ما سير اه يتبخر ويكتشؼ عد مقدرتو حتى عمى البقاء أمين ا لمشريعة. ينحبس م نغمق ا عمى ذاتو منعزال عف اهلل وعف اآلخريف وليذا ت ضحى حياتو عبث ا وأعمالو عقيمة كشجرة بعيدة عف مجاري المياه. يعبر القديس أغسطينوس ىكذا بمغتو البميغة والواضحة: «Ab eo qui fecit te noli te» deficere nec ad "ال تبتعد عم ف خمقؾ 32

33 15 حتى ولو كاف لمذىاب نحو نفسؾ". فعندما يظف اإلنساف أف بابتعاده عف اهلل سيجد نفسو عندئذ يصاب جوده بالفشؿ ( ار. لو -11 :15 24(. إف بداية الخبلص ىي االنفتاح عمى شيء ي سب ق نا عمى عطية أصمية تؤكد الحياة وتحمي في الوجود. فقط في انفتاحنا عمى ىذا األصؿ وفي االعت ارؼ بو يكوف ممكن ا أف نتبد ؿ س محيف لمخبلص أف يعمؿ فينا ويجعؿ حياتنا خصبة وممتمئة بثمار صالحة. إف الخبلص عبر اإليماف يكمف في االعت ارؼ بأولي ة عطية اهلل كما يمخ ص القديس بولس: "فب الن عم ة ن مت الخ بلص ب ف ضؿ اإل يماف. فم يس ذل ؾ م نك بؿ ىو ى ب ة م ف اهلل" )أؼ 8( المسيح. يتمحور المنطؽ الجديد لئليماف ىو حوؿ فاإليماف بالمسيح يخم صنا ألنو في المسيح تنفتح الحياة جذري ا عمى "محبة" تسبقنا وتحو لنا مف 4: مجموعة آباء الكنيسة البلتينية )آ ؾ ؿ( 15 العفة continentia( )De

34 الداخؿ وتتحرؾ فينا ومعنا. إف ىذا ي ظير جمي ا في التفسير الذي يقو بو رسوؿ األم لنص سفر التثنية تفسير يتطابؽ مع دينامية العيد القدي العميقة. يقوؿ موسى لمشعب أف وصية اهلل ليست عالية جد ا أو منخفضة لمغاية عف اإلنساف. فبل يجب أف ي قاؿ: "م ف ي صع د ل نا إ لى الس ماء في ت ناو ل يا ل نا وي سم ع نا إ ي اىا فن عم ؿ ب يا " أو "م ف ي عب ر ل نا الب حر في ت ن او ل يا ل نا وي سم ع نا إ ي اىا فن عم ؿ ب يا " ( تث ار. 14(. إف قرب كممة اهلل ىذا قد فس ره القديس بولس كانعكاس لحضور المسيح في المسيحي: "ال تقؿ في قمبؾ: م ف ي صع د إ لى الس ماء -أ ي ل ي نز ؿ المسيح- أ و: م ف ي نز ؿ إ لى الياو ي ة - أ ي لي صع د المسيح م ف ب يف األ موات" )رو (. المسيح الذي نزؿ فوؽ األرض وقا مف بيف األموات ابف اهلل مف خبلؿ تجسده وقيامتو مف بيف األموات قد احتضف كؿ مسيرة اإلنساف ويسكف في القموب عبر الروح القدس. فاإليماف يعرؼ أف اهلل قد 34

35 ج دا صار قريب ا منا وأف المسيح قد أعطي لنا كيبة عظيمة تحو لنا باطني ا وبأنو يسكف فينا وىكذا يعطينا النور الذي ينير أصؿ ونياية الحياة وكؿ درب المسيرة اإلنسانية. 21. يمكننا ىكذا إد ارؾ الحداثة الذي ي دخمنا فيو اإليماف. فالمؤمف قد تبد ؿ مف المحبة التي انفتح عمييا باإليماف وفي انفتاحو عمى ىذه المحبة التي ق د مت لو فإف وجوده يتسع ل ما ىو أبعد مف ذاتو. فاستطاع القديس بولس أف يؤكد: "فما أ نا أ ح يا ب عد ذل ؾ بؿ المسيح ي ح يا ف ي " )غؿ 20( 2 وأف يناشد:.)17 "أ ف ي قي المسيح في ق موب ك باإل يماف" )أؼ 3 ففي اإليماف يتسع الػ "أنا" المؤمف حتى يسكنو اآلخر ليحي ا في اآلخر وىكذا تتسع حياتو في المحبة. في ىذا يكمف حقا عمؿ الروح القدس. يمكف لممسيحي الحصوؿ عمى أعيف يسوع ومشاعره وقامتو البنوية ألنو يشارؾ في محبتو والتي ىي الروح القدس. وفي ىذه المحبة نحصؿ 35

36 بطريقة ما عمى نظرة يسوع الخاصة. التماثؿ في المحبة وخارج ا القدس الذي يسكبو في قموبنا ( عف ىذا فبعيد ا عف حضور الروح ار. رو االعت ارؼ بيسوع كالرب مستحيبل )1 الشكل الكنسي لإليمان كو 5( يصبح.) بيذه الطريقة يتحو ؿ الوجود المؤمف إلى وجود مسيحي كنسي. عندما كاف القديس بولس ي كم كنيسة رومة عف ذاؾ الجسد الواحد لكؿ المؤمنيف بالمسيح كاف يدعوى أال يفتخروا بؿ أف يقيس كؿ واحد نفسو "عمى م ق دار ما ق س اهلل ل و م ف اإل يماف" 12 )رو 3(. فيتعم المؤمف أف ي قي نفس و منطمق ا مف اإليماف الذي يعترؼ بو. إف وجو المسيح ىو المرآة التي فييا يكتشؼ صورتو التامة التحقيؽ. وكما أف المسيح يحتضف في ذاتو جميع المؤمنيف الذيف يشكم وف جسده يدرؾ المسيحي نفسو في ىذا الجسد في العبلقة األصمية مع المسيح ومع األخوة في اإليماف. إف صورة الجسد ال تعني اخت ازؿ 36

37 المؤمف في مجرد خمية مف مجموع مجيوؿ إلى مجرد ترس في آلة كبيرة وانما باألحرى توضيح االتحاد الم حي لممسيح بالمؤمنيف ولكؿ المؤمنيف فيما بيني ( ار. رو "واحد " ( 3 ار. غؿ 5(. فالمسيحيوف ى 28( بدوف أف يفقدوا ف اردتي وفي خدمة اآلخريف يربح كؿ واحد وبعمؽ كينونتو الشخصية. عندئذ ي في لماذا خارج ىذا الجسد وخارج ىذه الوحدة الشخصية لمكنيسة في المسيح وخارج ىذه الكنيسة والتي جوارديني Guardini( )Romano بحسب كممات رومانو - ىي "الحاممة 16 التاريخية لرؤية المسيح الثاقبة لمعال" فإف اإليماف يفقد مقياسو وال يجد بعد توازنو والمساحة الضرورية لمبقاء صامد ا. فاإليماف ىو شكؿ بالضرورة كنسي ي عترؼ بو داخؿ جسد المسيح كشركة حقيقية لممؤمنيف. ومف ىذا المكاف الكنسي 16 الرؤية الكاثوليكية لمعال )1923( في مجموعة الد ارسات المسيحية مف سنة ماينز )Mainz(

38 يفتح اإليماف الفرد المسيحي تجاه جميع البشر. فعندما ت سمع كممة المسيح ومف ذات طبيعتيا الدينامية تتحوؿ داخؿ المسيحي إلى إجابة وتتبدؿ ىي ذاتيا إلى كممة منطوقة إلى اعت ارؼ إيماف. يؤكد القديس بولس: "اإل يماف ب الق مب ]...[ والش يادة ب الف باإليماف..." )رو 10(. 10 إف اإليماف ليس عمبل خاص ا أو تصو ر فردي أو أري ذاتي ولكنو يولد مف السماع وتيدؼ إلى اإلعبلف إلى أف تتحو ؿ إلى بشرى. في الحقيقة "ك يؼ ي د عوف م ف ل ي ؤم نوا ب و وك يؼ ي ؤم نوف ب م ف ل ي سم عوه وك يؼ ي س م عون و م ف غ ير م ب ش ر " )رو 10 14(. إف اإليماف إذا يتحو ؿ إلى عنصر فع اؿ داخؿ المسيحي إنطبلقا مف اليبة المعطاة ومف المحبة التي تجذب نحو المسيح ( ار. غؿ 5 6( وتجعمنا مشتركيف في مسيرة الكنيسة التي تحج في التاريخ نحو المؿء. لم ف قد تحو ؿ بيذه الطريقة ت نفت ح لو طريقة جديدة لمنظر ويتحو ؿ اإليماف إلى نور لعيناه. 38

39 الفصل الثاني إ ن لم ت ؤم نوا لن تفهموا ( ار. أش )9 7 اإليمان والحقيقة 23. إف ل تؤمنوا لف تفيموا ( ار. أش 9(. إف 7 النسخة اليونانية مف الكتاب المقدس العبري الترجمة السبعينية التي قا بو السبعوف في اإلسكندرية بمصر قد ترجمت ىكذا كممات النبي إشعياء إلى الممؾ آحاز. بيذه الطريقة قد ت وضع مسألة معرفة الحقيقة في قمب اإليماف. بيد أف في النص العبري نق أرىا مختمفة. ففي ذاؾ النص يقوؿ النبي لمممؾ: "إ ف ل ت ؤم نوا فم ف تأم نوا". ويوجد ىنا تبلعب بالكممات باستخدا الفعؿ (ta aminu) والفعؿ "تأمف" ( amàn) "تؤمف".(te amenu) "فالممؾ الخائؼ مف قوة أعداءه يبحث عف األمف الذي يمكف أف يحصؿ عميو مف العيد مع إمب ارطورية أشور العظيمة. عندئذ يدعوه النبي لمثقة فقط في 39

40 الصخرة الحقيقية والتي ال تنيار في إلو اس ارئيؿ. ألف اهلل ىو جدير بالثقة فم ف المعقوؿ اإليماف بو وتشييد األماف الشخصي عمى كممتو. إف ىذا ىو اإللو الذي سيدعوه أشعياء فيما بعد لمرتيف "اإللو-أميف" ( 65 ار. أش 16( أساس ارسخ لؤلمانة لمعيد. قد ي ظف أف الترجمة اليونانية لمكتاب المقدس عند ترجمة كممة "تأمنوا" بػ"تفيموا" قد أدخمت تغير ا جذري ا في النص باالنتقاؿ مف مفيو الكتاب المقدس بالثقة في اهلل الفي. ومع ذلؾ ىذه الترجمة في حوار مع الثقافة الييمينية إلى المفيو اليوناني عف والتي قبمت الدخوؿ ليست بعيدة عف الدينامية العميقة لمنص العبري. فالثبات الذي يعد بو أشعياء الممؾ يمر حقا عبر الفي العميؽ لتحرؾ اهلل ولموحدة التي ييبيا لحياة اإلنساف ولتاريخ الشعب. فالنبي يحفز عمى في دروب الرب بإيجاد في األمانة هلل التدبير الحكي الذي يسوس العصور. لقد عب ر القديس أغسطينوس عف الموجز 40

41 بيف "الفي" و"الثبات" في اعت ارفاتو عندما تكم عف الحقيقة التي يمكننا الثقة فييا حتى نتمكف مف البقاء ثابتيف: "سأكوف ثابتا و ارسخا فيؾ ]...[ في 17 حقيقتؾ". مف السياؽ يتضح أف القديس أغسطينوس أ ارد إظيار الطريقة التي مف خبلليا حقيقة اهلل الموثوؽ بيا ىذه المقدس - - كما يتضح في الكتاب ىي حضوره األميف طيمة التاريخ واظيار قدرتو في احتضاف العصور مع ا ج معا 18 شتات أيا اإلنساف. يقودنا 24. الضوء إلى نص أشعياء عندما ي ق أر تحت ىذا ىذه الخبلصة: اإلنساف بحاجة إلى معرفة بحاجة لحقيقة ألنو بدوف الحقيقة ال يقوى ق دما. إف اإليماف بدوف عمى البقاء أو المضي حقيقة ال ي خم ص وال يجعؿ خطواتنا ثابتة. إنو يبقى مجرد خ ارفة جميمة انعكاس ا لرغباتنا في الجزء التاسع 30 40: مجموعة آباء الكنيسة البلتينية )آ ؾ ؿ( ار. نفس المرجع

42 السعادة أمر ا يفرحنا بمقدار حاجتنا في أف نخدع أنفسنا أو ينحصر في مجرد شعور طيب يعزي ويدفئ ولكنو يبقى موضوع ا لتذبذبات أمزجتنا ولتقمبات التاريخ ومف ث عاجز ا عف دع مسيرة دائمة في الحياة. إذا كاف اإليماف ىكذا لكاف مف حؽ الممؾ آحاز أال يغامر بحياتو وبأمف مممكتو معتمد ا عمى مجرد عاطفة. لكف اإليماف لكونو مرتبط جوىري ا بالحقيقة فيو قادر عمى تقدي نور جديد يفوؽ حسابات الممؾ ألف اإليماف يرى ما ىو أبعد وألنو يدرؾ تحرؾ اهلل اإللو األميف عمى عيده وعمى وعوده. 25. إف استدعاء الصمة بيف اإليماف والحقيقة ىو اليو مي أكثر مف أي وقت سابؽ خاصة بسبب أزمة الحقيقة التي نحياىا. فنحف في الثقافة المعاصرة نجنح إلى أف نقبؿ كحقيقة فقط تمؾ التي تتعمؽ بالتقنية: فالحقيقي ىو فقط ما يستطيع اإلنساف بنائو وقياسو بع مم و حقيقي ألنو يعمؿ 42

43 ويجعؿ الحياة أكثر ارحة وسيولة. يبدو اليو أف ىذه ىي الحقيقة الوحيدة األكيدة والوحيدة المتفؽ عمييا مع اآلخريف الوحيدة التي يمكف مناقشتيا وااللت از بيا معا. مف ناحية أخرى ىنالؾ أيض ا الحقائؽ المرتبطة بالفرد والتي تتمثؿ في إخبلص الفرد لما يشعر بو في داخمو وىي صالحة فقط لمفرد وال يمكف اقت ارحيا عمى اآلخريف واد عاء أنيا في خدمة الخير العا. وفي المقابؿ ي نظر بعيف االرتياب إلى الحقيقة الكبرى تمؾ التي تفسر حياة الفرد والمجتمع. ويتسأؿ البعض: أل يكف ىكذا أيض ا بالنسبة لمحقيقة التي إد عت األنظمة الشمولية في القرف المنصر تقديميا حقيقة كانت تفرض تصورىا الشمولي لسحؽ التاريخ الواقعي لمفرد ليذا يتبقى فحسب نظرة نسبية حيث التساؤؿ عف حقيقة كؿ األشياء- تمؾ المرتبطة أيض ا بالتساؤؿ عف اهلل- ل يعد يثير االىتما بعد. مف المنطقي مف ىذا المنظور الرغبة في فصؿ صمة الديف مع الحقيقة 43

44 ألف ىذه الصمة ستكوف أساس التطر ؼ الذي يريد سحؽ م ف ال يشارؾ في ذات معتقده. ويمكننا التحدث في ىذا الصدد عف الشيء الميمؿ أكثر في وقتنا المعاصر. السؤاؿ عف الحقيقة ىو في الواقع مسألة ذاكرة ذاكرة سحيقة ألنو يتعمؽ بشيء يسبقنا وبذات الطريقة يمكف أف يوحدنا أبعد مف "األنا" الخاص بنا الصغير والمحدود. إنو السؤاؿ عف أصؿ كؿ األشياء والذي عمى ضوئو يمكننا رؤية الغاية وكذلؾ معنى المسيرة العامة. معرفة الحقيقة والمحبة 26. في ىذه الحالة ىؿ يمكف لئليماف المسيحي أف يقد خدمة لمخير العا بخصوص الطريقة الم ثمى لفي الحقيقة إنو مف الضروري كي نجيب أف نتأمؿ في نوعية المعرفة الخاصة باإليماف. يمكف أف يساعدنا في ىذا الصدد تعبير القديس بولس عندما يؤكد: أننا "نؤمف بالقمب" )رو 10 10(. القمب في الكتاب المقدس ىو مركز 44

45 اإلنساف وحيث تتشابؾ كؿ أبعاده األخرى: الجسد والروح باطف الشخص وانفتاحو عمى العال وعمى اآلخريف الذكاء واإل اردة والوجداف. حسف إف كاف القمب قادر ا عمى أف يجمع م عا كؿ ىذه األبعاد فيذا ألنو ىو المكاف الذي ننفتح فيو عمى الحقيقة وعمى المحبة ونسمح ليما بأف يممسانا ويحو النا في العمؽ. فاإليماف يبد ؿ الشخص كمي ا ألنو يفتح الشخص عمى المحبة. يمكف مف خبلؿ ىذا التشابؾ بيف اإليماف والمحبة في شكؿ المعرفة الخاصة باإليماف وقوتيا في اإلقناع وقدرتيا في إضاءة خطواتنا. إف اإليماف يعرؼ بمقدار ارتباطو بالمحبة عمى نحو أف المحبة نفسيا تمنح نور ا. إف في اإليماف ىو ذاؾ الذي يولد عندما نحظى بحب اهلل العظي والذي يبد لنا في الباطف وييبنا أعيف جديدة لرؤية الواقع. 27. شييرة ىي طريقة الفيمسوؼ لودفيغ فيتغنشتايف (Ludwig Wittgenstein) في تفسير الصمة بيف 45

46 اإليماف واليقيف. ففعؿ اإليماف بالنسبة لو ىو مماثؿ لخبرة العشؽ والتي ت في عمى أنيا خبرة ذاتية ال يمكف تقديميا عمى أنيا حقيقة صالحة 19 لمجميع. يبدو لئلنساف المعاصر في الواقع أف مسألة المحبة ال عبلقة ليا بما ىو حقيقي. فالحب يبدو اليو مجرد خبرة مرتبطة بعال المشاعر المتقمب وليس بالحقيقة ىؿ ىذا ىو في الواقع بعد. تعريؼ كاؼ لممحبة في الحقيقة المحبة ال يمكف اخت ازليا في مجرد عاطفة تأتي وتذىب. فصحيح أنيا تمس وجداننا لكف بيدؼ فتح وجداننا لمشخص المحبوب والبدء ىكذا في مسيرة إنيا الخروج مف األنا المنغمؽ لمسير نحو الشخص اآلخر لتشييد عبلقة دائمة فالمحبة ترمي لبلتحاد مع الشخص المحبوب. وىكذا ي كشؼ عف معنى حاجة المحبة إلى الحقيقة. فقط عندما تتأسس 19 تصريحات متضاربة / الثقافة والقيمة ج. ىػ فوف اريت )المحرر( أوكسفورد

47 المحبة فوؽ الحقيقة فإنيا تستمر في الوقت وتتجاوز المحظة سريعة الزواؿ والصمود ارسخة لدع المسيرة المشتركة. فإف ل يكف لممحبة عبلقة مع الحقيقة فيي موضوع تأرجح لممشاعر ومف ث ال تستطيع اجتياز تجربة الزماف ألف المحبة الكاذبة ال يمكف ليا أف تتخطى تجربة الزماف. أما المحبة الحقيقية فيي عمى العكس توح د كؿ أبعاد شخصيتنا وتتحو ؿ إلى نور جديد نحو حياة عظيمة وتامة. ال تستطيع المحبة بدوف الحقيقة تقدي رباط ارسخ وال تقدر عمى حمؿ "األنا" لتخطي عزلتو أو لتحريره مف المحظة العابرة ألجؿ تشييد الحياة وحمؿ ثمار. إف كانت المحبة تحتاج لمحقيقة فإف الحقيقة تحتاج لممحبة. فالمحبة والحقيقة ال يمكف فصميما الواحدة عف األخرى. فالحقيقة بدوف محبة تكوف باردة وغير شخصية وقمعية بالنسبة لحياة الشخص الواقعية. أما الحقيقة التي نبحث عنيا تمؾ التي 47

48 تعطي معنى لخطواتنا فيي تنيرنا عندما يممسنا الحب. م ف يحب يعرؼ أف المحبة ىي خبرة حقيقة وأنيا ىي ذاتيا تفتح أعيننا لنرى كؿ الواقع بطريقة جديدة وباتحاد مع الشخص المحبوب. بيذا المعنى قد كتب القديس غريغوريوس الكبير: "إف الحب ذاتو ىو معرفة" est» «amor ipse notitia فيو يجمب 20 مع نفسو منطؽ جديد. إف األمر يتعمؽ بطريقة عبلئقية في النظر لمعال تتحوؿ إلى معرفة مشتركة إلى رؤية في رؤية اآلخر إلى رؤية شاممة لكؿ األشياء. جوليم دي سانت تييري (Guglielmo Thierry) di Saint في العصور الوسطى يتبع ىذه الترجمة عند تفسيره إلحدى آيات سفر نشيد األناشيد حيث يقوؿ المحبوب لمحبوبتو: ع يناؾ 20 عظات عف اإلنجيؿ الجزء الثاني 4: 27 مجموعة آباء الكنيسة البلتينية )آ ؾ ؿ(

49 كعينيف ح مام تيف ( ار. نش 21 15(. ىاتاف العيناف 1 بحسب تفسير جوليم ىما العقؿ المؤمف والمحبة المذاف يتحوالف إلى عيف واحدة كي يتمكنا مف تأمؿ 22 اهلل عندما يتحو ؿ الذكاء "إلى ذكاء محبة م نيرة". يجد 28. اكتشاؼ المحبة ىذا كمصدر لممعرفة والذي ينتمي إلى الخبرة األصمية لكؿ إنساف تعبي ار قويا في مفيو الكتاب المقدس عف اإليماف. يصؿ ىكذا شعب إس ارئيؿ بتذوقو لمحبة اهلل التي بو اختاره وأنجبو كإبف إلد ارؾ وحدة التدبير اإلليي مف األصؿ وحتى االكتماؿ. إف معرفة اإليماف لكونيا تولد مف محبة اهلل التي تقي العيد فيي معرفة تنير طريقا في التاريخ. مف أجؿ ىذا واألمانة الحقيقة في الكتاب المقدس يسي ارف سوي ا فاإللو 21 ار. عرض سفر نشيد األناشيد الجزء الثامف عشر 88: مجموعة المسيحييف السمسمة البلتينية )Mediaevalis 22 ( ؿ( استم اررية القروف والوسطى ( Continuatio نفس المرجع الحزء التاسع عشر 90: مجموعة المسيحييف السمسمة البلتينية ( ؿ(: استم اررية القروف الوسطى

50 الحقيقي ىو اإللو األميف م ف يحافظ عمى وعوده ويتعيد في الوقت بإد ارؾ تدبيره. فقد استشعر إس ارئيؿ - مف خبلؿ خبرة األنبياء أثناء مخاض السبي وخبرة العودة النيائية لممدينة المقدسة - أف حقيقة اهلل ىذه تمتد حتى تصؿ لما ىو أبعد مف تاريخو الخاص لتحتضف تاريخ العال بأسره بداية مف الخميقة. تضيء معرفة اإليماف ال فقط المسيرة الخاصة بشعب ما بؿ كؿ مسيرة العال المخموؽ مف بدايتو وحتى زوالو. اإليمان كإصغاء ورؤية 29. إف اإليماف لكونو معرفة فيو مرتبط بالعيد الخاص باإللو األميف والذي ي قي عبلقة محبة مع اإلنساف ويكشؼ لئلنساف "كممتو" فالكتاب المقدس يقد مو كإصغاء أي مرتبط بحاسة السمع. وسيستخد القديس بولس صيغة قد أصبحت تقميدية: السماع" )رو (fides ex auditu).)17 10 "إف اإليماف يأتي مف فالمعرفة المرتبطة بالكممة 50

51 5 ىي دائما معرفة شخصية تتعر ؼ عمى الصوت وتنفتح لو بحرية وتتبعو في طاعة. ليذا السبب قد تكم القديس بولس عف "طاعة اإليماف" ( 1 5 ار. رو 23 26(. إف اإليماف إلى جانب ىذا ىو معرفة 16 مرتبطة بتعاقب الوقت ذاؾ الوقت الذي تحتاجو الكممة لمنطؽ بيا: إنيا معرفة يمكف تعم ميا فقط مف خبلؿ مسيرة اتباع. فالسماع يساعد عمى التجسيد األمثؿ لمصمة بيف المعرفة والمحبة. قد ت أحيان ا وضع السماع فيما يتعمؽ بمعرفة الحقيقة مقابؿ الرؤية والتي ىي مرتبطة عمى وجو 2 1 "إف طاعة اإليماف أمر واجب هلل الموحي )رو 16 رو 26 ار. 23 كو ( وبيذه الطاعة ي فو ض اإلنساف أمر ه إلى تدبير اهلل بكام ؿ حر يت و في خض ع لو تماما عقم و وااردت و وي قب ؿ عف رضى الحقائؽ التي ي كشف يا لو. إن ما لكي يؤمف ىكذا فيو بحاجة إلى ن عمة اهلل السابقة والم سان دة والى معرفة الروح القدس الداخمي ة الذي ي حر ؾ القمب ويرد ه إلى اهلل ويفتح بصيرة العقؿ وي عطي الجميع العذوبة في قبوؿ الحقيقة واإليماف بيا. وىذا الروح بالذ ات ال يفتأ ي كم ؿ اإليماف بمواىب و لكي ي ت عم ؽ ت ف ي الوحي يوما بعد يو" )المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني دستور عقائدي في الوحي اإلليي "كممة اهلل" 5(. 51

52 الخصوص بالثقافة اليونانية. فالنور إف كاف م ف ناحية يقد إمكانية تأمؿ الكؿ وىو ما يطمح لو اإلنساف دائما فيو مف ناحية أخرى يبدو أنو ال يترؾ مساحة لمحرية لكونو ينزؿ مف السماء ويصؿ مباشرة لمعيف بدوف أف يطمب جواب العيف. النور باإلضافة لذلؾ يبدو أنو يدعو لتأمؿ جامد تأمؿ منفصؿ عف الوقت الواقعي حيث اإلنساف ينع ويتأل. بحسب ىذا المفيو فإف الدع الكتابي الخاص بالمعرفة قد يتناقض مع المفيو اليوناني والذي في سعيو لموصوؿ لمفي الكامؿ لمواقع قد ربط بيف المعرفة والرؤية. مف الواضح عمى خبلؼ ذلؾ أف ىذا االعت ارض غير مطابؽ لمحقيقة الكتابية. فالعيد القدي قد جمع بيف ك بل النوعيف مف المعرفة حيث أف الرغبة في سماع كممة اهلل تتحد مع الرغبة في رؤية وجيو. وبيذه الطريقة قد أمكف تطوير حوار مع الثقافة الييمينية حوار يجد جذوره في قمب الكتاب المقدس. 52

53 السماع يؤكد الدعوة الشخصية والطاعة وكذلؾ عف كوف الحقيقة ت كت ش ؼ تدريجي ا مع الوقت النظر ي قد الرؤية الكاممة لكؿ المسيرة ويسمح بوضع نفسيا داخؿ تدبير اهلل العظي بدوف ىذه الرؤية نكوف مثؿ م ف يضع سويا جزيئات منعزلة لشكؿ كمي مجيوؿ. 30. إف ىذه الصمة بيف النظر والسماع كعضويف لمعرفة اإليماف تظير بجبلء في إنجيؿ يوحنا. فبالنسبة لئلنجيؿ ال اربع اإليماف ىو السماع وىو في ذات الوقت النظر. فسماع اإليماف يتحقؽ بحسب شكؿ المعرفة الخاص بالمحبة: إنو سماع شخصي ي مي ز الصوت وي عر ؼ جيدا صوت ال ارعي 10 يو ار. الصالح ( 5-3 ( إنو سماع يتطمب االتباع كما حدث مع التمميذيف األوليف الذيف "س م ع ك بلم و فت ب عا يسوع" )يو 1 37(. مف ناحية أخرى فإف اإليماف مرتبط أيض ا بالرؤية. فأحيا نا كانت رؤية معج ازت يسوع تسبؽ االيماف كما حدث مع الييود الذيف بعد أف أروا إقامة لعازر مف بيف 53

54 األموات "فآم ف ب و كثير م ف الي يود الذيف جاؤوا إ لى م ري ور أ وا ما ص ن ع" )يو 45(. أحيان ا 11 أخرى فإف اإليماف ىو الذي يجمب رؤية عميقة: "إ ن ؾ إ ف آم نت ت ريف م جد اهلل " )يو اإليماف 11 40(. وبالنياية فإف والنظر يتضاف ار: "فم ف آم ف بي ]...[ يؤمف بال ذي أ رس م ني وم ف رآني أر ى ال ذي أ رس م ني" )يو (. وبفضؿ ىذا االتحاد بالسمع فإف النظر يتحو ؿ التباع لممسيح واإليماف يظير كأسموب لمنظر حيث تتعود األعيف عمى النظر بعمؽ. وىكذا صباح فجر القيامة يتحوؿ نظر قائما أما القبر الفارغ يوحنا حيث الظبل ما ازؿ إلى " أر ى وآم ف " )يو 8 ( 20 وتأتي إلى مري - المجدلية 14( وأ اردت أف تممسو والتي كانت قد أرت يسوع ( 20 ار. يو - عودة يسوع إلى اآلب حتى الدعوة لمتأمؿ في مسيرة تصؿ الكامؿ أما التبلميذ: "قد أريت الر ب!" )يو إلى االعت ارؼ.)

55 كيؼ يمكف الوصوؿ لتمخيص ىذه العبلقة بيف السماع والنظر يصبح ممكن ا إنطبلق ا مف شخص يسوع الحقيقي والذي يمكف رؤيتو وسماعو. فيو الكممة المتجسد الذي تأممنا مجده ( إف نور اإليماف ىو ذاؾ النور 14(. ار. يو 1 المرتبط بالوجو الذي فيو نرى اآلب. في الواقع إف الحقيقة التي يحتضنيا اإليماف في األناجيؿ األربعة ظيور ىي اآلب في االبف في جسده وفي أعمالو األرضية حقيقة يمكف تعريفيا 24 "كالحياة المنيرة" ليسوع. مما يعني أف معرفة اإليماف ال تدعونا لمنظر إلى حقيقة محض باطنية. فالحقيقة التي يفتحيا اإليماف أمامنا ىي حقيقة تتمحور حوؿ المقاء مع المسيح حوؿ تأمؿ حياتو حوؿ إد ارؾ حضوره. اإلكويني بيذا المعنى عف يتكم القديس توما - (oculata fides) 24 ار. ىػ. شيمير "تأمبلت في المفيو اليوحناوي عف الحقيقة" في: تأمبلت في العيد الجديد. المقاالت التفسيرية والمحاض ارت ف اريبورغ بازؿ فيينا 55

56 اإليماف الذي يرى- الخاص بالرسؿ أما الرؤية 25 الجسدية لمقائ مف بيف األموات. فقد أروا يسوع القائ بأعيني وأمنوا بمعنى أني استطاعوا الولوج إلى عمؽ ما أروه كي يعترفوا بابف اهلل الجالس عف يميف اآلب. 31. فقط ىكذا عبر التجسد ومف خبلؿ المشاركة في بشريتنا يمكف الوصوؿ الكامؿ إلى معرفة الخاصة بالمحبة. فنور المحبة في الواقع ينبعث عندما ن ممس في القمب حيث ن درؾ حضور الشخص المحبوب باطنيا مما يسمح لنا بمعرفة سر ه. ومف ث بجانب يوحنا نفي لماذا اإليماف بالنسبة لمقديس السماع والرؤية ىو لمس كما يؤكد في رسالتو األولى: "ذاؾ ال ذي س م عناه ذاؾ ال ذي ر أ يناه ب ع ين ينا ]...[ ول م س ت و ي دانا م ف ك م م ة 1 يو 1( الح ياة..." 1(. إف يسوع بتجسده وبحضوره في وسطنا قد لم س نا ومف خبلؿ أس ارره المقدسة ىو ار. الخ بل ص ة البلىوتي ة المجمد الثالث سؤاؿ 55 أ. 2 في

57 اليو يممسنا بيذه الطريقة وبتبديؿ قمبنا فقد سمح لنا ويسمح لنا بأف نعرفو ونعترؼ بأنو ابف اهلل. باإليماف نعمتو. 8 لو بإمكاننا أف نممسو ونحصؿ عمى قدرة يؤكد القديس أغسطينوس في تعميقو عمى نص الم أرة النازفة التي لمست يسوع كي ت شفى ( ار ( أف: "الممس بالقمب ىو اإليماف". فقد أحاطت بو الجموع ولكنيا ل تصؿ إليو بممسة اإليماف الشخصية تمؾ الممسة القادرة عمى في سره و ادارؾ كونو االبف الذي يكشؼ عف اآلب. فقط عندما ن ت ش ب و بيسوع فإننا نحصؿ عمى أعيف مبلئمة تستطيع رؤيتو. الحوار بين اإليمان والعقل 32. إف اإليماف المسيحي لكونو يبش ر بحقيقة محبة اهلل الكاممة ويفتح عمى قدرة ىذه المحبة فيو يصؿ لقمب الخبرة األكثر عمقا لكؿ إنساف والذي العظة ؿ/ 229 (14 (Guelf. )متفرقات ألوغسطينوس رق Tangere autem corde, hoc est credere :)488 57

58 يرى النور بفضؿ المحبة والمدعو ألف يحب حتى يبقى في النور. إف المسيحييف األوائؿ مف الرغبة في إضاءة كؿ الواقع إنطبلق ا مدفوعيف - مف محبة اهلل التي ظيرت في يسوع ومحاوليف أف يحبوا بنفس تمؾ المحبة وفي عطشو لمحقيقة شريك ا أسس المقاء لمعال القدي جسر ا قد وجدوا في العال اليوناني ا جدي ر بيف الرسالة اإلنجيمية ضرور يا وقد بالحوار. والفكر الفمسفي حتى تصؿ بشارة اإلنجيؿ لكؿ الشعوب وعزز عبلقة خصبة بيف اإليماف والعقؿ فيما بينيما عبلقة تطورت دائما عمى مر العصور وحتى وقتنا ىذا. وقد أظير الطوباوي يوحنا بولس الثاني في رسالتو العامة اإليماف والعقؿ كيؼ أف اإليماف والعقؿ يقوي كؿ 27 منيما األخر. فعندما نجد نور محبة يسوع الكامؿ نكتشؼ أف في كؿ حب لنا ىناؾ بصيص 27 الرسالة العامة اإليماف والعقؿ 14 سبتمبر /ايموؿ (Fides et ratio) أعماؿ الكرسي الرسولي )1999(

59 مف ذاؾ النور فندرؾ ماذا كانت غايتو األخيرة. وفي نفس الوقت فحقيقة أف محبتنا تحمؿ معيا نور ا فيي تساعدنا عمى رؤية مسيرة المحبة نحو التقدمة الكاممة البف اهلل مف أجمنا. إف نور اإليماف في ىذه الحركة الدائرية ينير كؿ عبلقاتنا اإلنسانية ولطفو. المسيح ويمك نا مف عيشيا باتحاد مع محبة 33. نجد في حياة القديس أغسطينوس مثاال ذي مغزى ليذه المسيرة حيث متحد ا اندمج بحثو عف العقؿ برغبتو في الحقيقة والوضوح مع أ فؽ اإليماف والذي منو فيو قد حصؿ عمى إد ارؾ جديد. مف ناحية يتبنى الفمسفة اليونانية حوؿ النور وكذلؾ إص اررىا عمى الرؤية. فمقائو مع األفبلطونية الحديثة جعمو يعرؼ أمثولة النور النازؿ مف فوؽ لينير األشياء والذي ىو ىكذا إشارة هلل. القديس أغسطينوس أدرؾ وقد بيذه الطريقة "التعالي اإلليي" واكتشؼ أف كؿ األشياء بيا شفافية تعكس شيئ ا مف 59

60 المتعالي أي أف بإمكانيا أف تعكس صبلح اهلل الخير. فتحر ر ىكذا مف مذىب المانوية الذي كاف يحيا فيو سابق ا والذي كاف يرغمو عمى التفكير في أف الشر والخير ىما في ص ارع مستمر فيما بينيما يختمطاف ويتشاكبلف بدوف معال واضحة. وقد أعطى توجي ا في أف اهلل ىو نور لمقديس جدي دا أغسطينوس في الوجود ومقدرة عمى التعرؼ عمى الشر الذي كاف فيو مذن با الخير. ومف ث التوجو نحو ولكف مف الناحية األخرى فإف المحظة الفاصمة في خبرة القديس أغسطينوس الواقعية - وفي والتي يصفيا ىو نفسو في اعت ارفاتو البرىة ىي تمؾ بعد ىذا العال بؿ الفاصمة كانت مسيرة إيماف - والخاصة برؤية اهلل ل تكف أي باألحرى تمؾ الخاصة بالسماع عندما سمع صوتا في الحديقة يقوؿ لو: "خذ واق أر" فأخذ سفر رسائؿ القديس بولس متوقف ا عند الفصؿ الثالث عشر مف الرسالة لكنيسة 60

61 28 رومة. فظير ىكذا لو اإللو الشخصي لمكتاب المقدس والقادر عمى التكم مع إنساف والنزوؿ لمعيش معو وم ارفقة مسيرتو في التاريخ كاشف ا نفسو في وقت اإلصغاء وفي وقت الجواب. عف ومع ذلؾ فالمقاء مع إلو الكممة ىذا ل يحمؿ القديس أغسطينوس لرفض النور والرؤية. فقد دمج بيف كبل النيجيف تحت اإلرشاد الدائ لوحي محبة اهلل في يسوع. وىكذا نجح في وضع فمسفة لمنور تشتمؿ في ذاتيا عمى جدلية الكممة فات حا لحرية النظر نحو النور. فكما أننا نجيب الكممة بجواب حر ىكذا النور يجد جواب ا الصورة التي يعكسيا. ومف ث فقد استطاع مسافة عمى في القديس أغسطينوس اإلشارة عبر إش ارؾ السماع والرؤية 28 ار. االعت ارفات الجزء الثامف 29: 12 مجموعة آباء الكنيسة البلتينية )آ ؾ ؿ(

62 29 إلى "الكممة التي تشرؽ في أعماؽ اإلنساف". بيذه الطريقة فإف النور يتحوؿ إذا جاز التعبير إلى نور كممة ألنو نور وجو شخصي نور بإضاءتو لنا يدعونا ويرغب في أف ينعكس مف داخمنا. عمى صعيد أخر عمى وجينا ليشرؽ الرغبة في رؤية تبقى الكؿ وليس فقط الجزيئات مف التاريخ قائمة وستكتمؿ في المنتيى عندما اإلنساف كما يقوؿ 30 القديس أغسطينوس سيرى وسيحب. وىذا لف يحدث ألف اإلنساف سيكوف قادر ا عمى امتبلؾ كؿ النور والذي ال ينضب أبد ا ولكف ألف اإلنساف سيدخؿ كمي ا في النور. 34. يمكف لنور المحبة الخاص باإليماف أف ينير تساؤالت عصرنا حوؿ الحقيقة. فالحقيقة اليو 29 عف الثالوث الجزء الخامس عشر 20: 11 مجموعة آباء الكنيسة البلتينية )آ ؾ ؿ( - verbum quod intuslucet : تحمؿ في أحشائيا نو ار. ار. مدينة اهلل الكتاب الثاني والعشروف البلتينية )آ ؾ ؿ( الكممة التي 5: مجموعة آباء الكنيسة 62

63 تنحصر غالب ا فيما يعتبره الفرد حقيقة أصيمة وذاتية صالحة فقط لمحياة الفردية. فالحقيقة الجامعة تخيفنا ألننا نماثؿ بينيا وبيف إك اره األنظمة الشمولية المتطرفة. لكف إف كانت الحقيقة ىي حقيقة المحبة اي إف كانت حقيقة ت كشؼ عف نفسيا في المقاء الشخصي مع "اآلخر" ومع اآلخريف فإنيا إذا تبقى متحررة مف انغبلؽ الفرد ويمكنيا أف تكوف جزء ا فيي حقيقة مف الخير العا. تسحؽ الفرد. وىي لكونيا حقيقة محبة ال تفرض نفسيا بالعنؼ وليست حقيقة وىي قادرة عمى الوصوؿ إلى القمب المركز الشخصي لكؿ إنساف المحبة. يظير جمي ا ولكنو ألنيا تولد مف ىكذا أف اإليماف ليس تشد دا ينمو في التعايش الذي يحتر اآلخر. فالمؤمف ليس متغطرس ا عمى العكس فإف الحقيقة تجعمو متواض عا عارف ا التي تحتضننا وتمتمكنا. بعيد ا أننا لسنا نحف م ف نمتمكيا بؿ ىي عف التحجر فإف 63

64 يقيف اإليماف يضعنا في مسيرة ويجعؿ الشيادة والحوار مع الجميع ممكن ا. إف نور اإليماف مف ناحية أخرى بمقدار كونو متحد ا بحقيقة المحبة فيو ليس غري با عف العال الم دائما في جسد ونفس ادي ألف المحبة تعيش إف نور اإليماف ىو نور متجسد يشع مف حياة يسوع المنيرة. ىو أيض ا ينير نور نظاميا ويعرؼ أف في المادة تنفتح انسجا أوسع. فتحصؿ ىكذا المادة ويثؽ في باستم ارر مسيرة نظرة الع م عمى فائدة مف اإليماف: فاإليماف يدعو الع ال لمبقاء منفتحا عمى الواقع في كؿ غناه الذي ال ينضب. إف اإليماف يوقظ الحس النقدي ألنو يمنع البحث العممي مف أف يرضى بصيغو ويساعده عمى إد ارؾ أف دائما أكبر. داع يا إياه لمتعجب أما سر الطبيعة ىي الخميقة فإف اإليماف يوسع أفاؽ العقؿ لينير بشكؿ أفضؿ العال الذي ينفتح أما الد ارسات العممية. 64

65 اإليمان والبحث عن اهلل 35. يضيء نور اإليماف بيسوع أيض ا مسيرة الذيف يبحثوف عف اهلل ويقد المساىمة الخاصة بالمسيحية في الحوار مع اتباع الديانات المختمفة. فالرسالة إلى العب ارنييف تخبرنا عف شيادة الصالحيف الذيف قبؿ العيد مع إب ارىي كانوا يبحثوف عف اهلل بإيماف. في قاؿ إف إخنوخ قد "ش ي د ل و ب أ ف اهلل قد ر ض ي ع نو" )عب 11 5( وىو أمر مستحيؿ بدوف اإليماف "أل ن و ي ج ب عمى ال ذي ي ت ق ر ب إلى اهلل أ ف ي ؤم ف ب أ ن و م وجود وأ ن و ي جازي ال ذيف ي بت غون و" 11 )عب 6(. يمكننا أف نفي ىكذا أف مسيرة اإلنساف المت دي ف تمر عبر اإلق ارر باإللو الذي يعتني بو والذي ليس مف المستحيؿ إيجاده. فيؿ مف المكافأة أخرى يمكف أف يقدميا اهلل لمذيف يبحثوف عنو إف ل تكف لقائو فحتى ق ب ؿ ىذا نجد شخصية ىابيؿ والذي ي مدح إيمانو حيث أف بسبب إيمانو قد ق بؿ اهلل عطاياه وتقدمتو ألبكار ماشيتو ( 4(. ار. عب 11 65

66 فاإلنساف المت دي ف يسعى لمت ع رؼ عمى عبلمات اهلل في الخب ارت اليومية لحياتو في تعاقب فصوؿ العا في خصوبة األرض وفي كؿ حركة الكوف. مني ر ويمكف إف اهلل ىو مخمص أف يجدوه. المجوس إف صورة ليذا البحث ( لمذيف يبحثوف عنو الذيف قادى النج حتى بيت لح ار. مت.) بقمب ى فقد ظير نور اهلل بالنسبة لي كمسيرة كنج يرشدى طيمة درب االكتشاؼ. إف النج قد أخبر ىكذا عف صبر اهلل مع عيوننا التي يجب أف تتعو د عمى بيائو. فاإلنساف المت دي ف ىو في مسيرة ويجب أف يكوف دائما. مستعدا لترؾ نفسو ليقوده اهلل الذي ي ذىؿ ي ظير احت ار اهلل ىذا ال ع ي ف اإلنساف أف اإلنساف عندما يقترب مف اهلل النور البشري في ال يذوب نجما قد ابت م ع مف عظمة اهلل المنيرة كما لو كاف الشروؽ ولكنو يصبح أكثر إنارة كمما اقترب مف النار األصمية كما المرآة التي تعكس البياء. يؤكد 66

67 اإلق ارر المسيحي بيسوع المخمص األوحد أف كؿ نور اهلل قد تمركز في يسوع وفي "حياتو المنيرة" 31 حيث ي كشؼ عف أصؿ التاريخ وزوالو. ال وجود ألي خبرة بشرية وال وجود ألي توجو مف اإلنساف نحو اهلل ال يمكف قبولو وانارتو وتطييره مف ىذا النور. فكمما ترؾ المسيحي نفسو ليغمر في الدائرة المفتوحة لنور المسيح كمما أصبح قادر ا وعمى م ارفقة طريؽ كؿ إنساف نحو اهلل. ولئف االيماف ىو مسيرة فيو يخص عمى ف ي حياة أيض ا البشر الذيف واف ل يؤمنوا في يتوقوف لئليماف وال ي كف وف البحث عنو. فبمعيار انفتاحي عمى المحبة بقمب مخمص وينطمقوف في السير عمى ضوء النور الذي يستطيعوف قبولو في يعيشوف بالفعؿ وبدوف أف يعرفوا في طريؽ اإليماف. إني يسعوف لمعيش وكأف اهلل موجود أحيان ا ألني يعرفوف أىميتو في 31 ار. مجمع العقيدة واإليماف الرب يسوع )6 أغسطس / آب 2000( 15: أعماؿ الكرسي الرسولي )2000(

68 إيجاد توجيات ارسخة في الحياة العامة أو ألني يختبروف وسط الظبل التوؽ لمنور ولكف أيض ا ألني في استيعابي لعظمة وجماؿ الحياة يستشعروف أف حضور اهلل سيجعميا أكثر عظمة. يحكي القديس إيريناوس مف ليوف أف إب ارىي قبؿ أف يسمع صوت اهلل كاف يبحث عنو بالفعؿ "في رغبة قمبو المشتعمة" وكاف "يجوؿ في العال كمو م ف كاف يبحث متسائبل أيف اهلل " حتى " ر ح اهلل 32 عنو في صمت". فمف يضع نفسو في مسيرة ليفعؿ الخير فيو قريب بالفعؿ مف اهلل الذي ي عينو بالفعؿ ألف مف طبيعة دينامية النور اإلليي أف ينير األعيف عندما نسير نحو المحبة التامة. اإليمان والالهوت 36. ألف اإليماف ىو نور فيو يدعونا إلى التوغؿ دائما مف األفاؽ التي فيو والى استكشاؼ المزيد ي نيرىا ىو كي نتعرؼ أفضؿ عمى ما نحبو. مف 32 برىاف الك ارزة الرسولية 24 المصادر المسيحية ) (

69 ىذا التوؽ يولد البلىوت المسيحي. أف البلىوت بدوف اإليماف فمف الواضح إذا يصبح مستحيبل ألف البلىوت نفسو ينتمي لذات ح ارؾ اإليماف والذي يبحث عف في عقمي أعمؽ لسر هلل الذي وصؿ لقمتو في سر المسيح. النتيجة األولى ىي أف في البلىوت ال يعطى والمعرفة - مكا نا لجيد العقؿ في التدقيؽ فحسب كما ىو الحاؿ في العمو التجريبية. فاهلل ال يمكف تحجيمو في موضوع. فاهلل ىو م ف يكشؼ عف ذاتو وي ظير نفسو عبلقة عبر بيف شخص وشخص. فاإليماف المستقي يوجو العقؿ لينفتح عمى النور القاد مف اهلل حتى يتمكف تحت إرشاد اهلل مف معرفة اهلل بطريقة أعمؽ. وقد أشار المعمموف والبلىوتيوف العظماء في القروف الوسطى إيماني ىو إلى أف موضوع البلىوت كع م المشاركة في معرفة اهلل لذاتو. إف البلىوت إ ذا ليس فقط كممة عف اهلل ولكنو قبؿ كؿ شيء استقباؿ وبحث لمعرفة أعمؽ لتمؾ الكممة التي 69